ظاهرة الغِشُ في الامتحان

الغِشُّ في الإمتحان هادمٌ للأمّةِ

الغشُّ في الامتحانِ أمرُه خطيرٌ، وشرُّه مُستطيرٌ، أصاب الكبيرَ والصّغير، والغنيَّ والفقير، فجعل العزيزَ ذليلًا، والذّليلَ في تأخيرٍ، والطّفلَ كسيلًا، والشّابَّ عليلًا، والعجوزَ في تَحسيرٍ، والأمّةَ كلَّها في تَدميرٍ وتأخيرٍ وتخسيرٍ.. وممّا يُبكي العينَ ويُدمي القلبَ أنّ الغشَّ فى الامتحانِ عندَ بعضِ النّاسِ حقٌّ مكتسبٌ، وواجبٌ لابدَّ من أدائِه، وإذا قام أحدُ النّاسِ وأمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكرِ وقفوا له بالمرصادِ ولسانُ حالِهم يقول (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ 56-النّمل).

-قال أهلُ العِلمِ: يوم الامتحانِ يُكرَمُ المرءُ أو يُهان.

- وقال أهلُ الغِشِّ: يوم الامتحانِ يَغشُّ المُتعلِّمُ أو يُعان  

أوّلًا: من أخطارِ وأضرارِ الغِشِّ في الامتحانات: للغِشِّ أضرارٌ خطيرةٌ، وآفاتٌ كبيرةٌ، ومصائبُ عظيمةٌ نَذكر بعضًا منها على سبيلِ الذّكرِ لا الحصرِ:

1- الغشُّ حرامٌ:

بل هو من كبائرِ الذّنوب، لقولِ النّبيِّ محمّدٍ ﷺ (من غشّنا فليس منّا) وهذه الجملةُ عامّةٌ إذ تّشمل كلَّ ما صدر عنه غِشٌّ في أيِّ نوعٍ من أنواعِ المُعاملاتِ أو العملِ... والغشُّ في الامتحانِ داخلٌ في هذا العمومِ، فلا يَجوزُ للطّالبِ أن يقومَ بالغِشِّ في الامتحانِ، لا مع نفسِه ولا مع غيرِه، فلا يَحقُّ له أن يطلبَ من يساعدُه على الحلِّ ولا أن يُعينَ غيرَه في الحلِّ لأنّ تبرّؤَ النّبيِّ عليه أفضلُ الصّلاةِ وأزكى السّلامِ من الغاشِّ يدلُّ على أنّ الغِشَّ من كبائرِ الذّنوبِ وليس من سِماتِ المسلمين. (فتاوى نور على الدّربِ لابن عثيمين).

2- الدّالُّ على الغِشِّ هو دالٌّ على الشّرِّ وهو كفاعلِه:

فالّذي يُشجّع على الغِشِّ بأيِّ وسيلةٍ سواءً بالتّصريحِ أو بالإشارةِ والتّلميحِ هو بلا شكٍّ شريكٌ في الإثمِ. 

(أ)- 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ ﷺ قَالَ «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» صحيح مسلم.

- كلُّ من أعان غيرَه على الإثمِ والعدوان: فهو من الدّاعينَ إلى الضّلالة (بهجة قلوب الأبرار 1/31)

(ب)-

 من المؤكّدِ أنّ الغِشَّ فيه شيءٌ من الحرامِ، والحديثُ واضحٌ في ذلك وجليٌّ "من غشّنا فليس منّا" رواه مسلم.

(ج)-

الغشُّ محرّمٌ في الاختبارات، كما أنّه مُحرّمٌ في المُعاملاتِ، فليس لأحدٍ أن يَغشَّ في الاختباراتِ في أيِّ مادّةٍ، وإذا رضي الأستاذُ المعلِّمُ أو المشرفُ المراقبُ بذلك فهو شريكه في الإثمِ والخيانة، واللّهُ المُستعان. (فتاوى ابن باز 6/397)

3- الغِشُّ خيانةٌ للأمانةِ:  

قال اللّهُ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 27-الأنفال)، فالغِشُّ في الامتحاناتِ خيانةٌ للجهاتِ المسؤولةِ الّتي وضعتْ المُراقبينَ والمُلاحظينَ وأمَّنَتهم على الطّلّابِ في وقتِ الامتحانِ، فماذا يُرجى من أمّةٍ مُستوى مُتعلِّميها قد بُنِيَ على الغِشِّ والجهلِ.. طبعًا لا خيرَ يُرجى منها بل أنّ الدّمارَ يَتربّص بدَيْمومتِها ورُقيِّها. وستبقى تلك الأمّةُ محتاجةً إلى غيرِها.. وما الأخطاءُ الطّبّيّةُ الّتي ازداد عددُها إلّا دليلٌ قاطعٌ على أنّ من قاموا بها هم خرّيجو الغِشِّ في الامتحاناتِ.. وما انهيارُ الجُسورِ إلّا أمرٌ جازمٌ بأنّ المهندسين المُشرفين عليها هم من الفئةِ الضّالّة، وما حوادثُ السّيرِ القاتلة إلّا دليلٌ آخرُ على أنّ رُخصَ القيادةِ لم تُعطَ بالطّريقةِ الشّرعيّةِ. فنصيحتي لأبنائي طلبةِ العِلمِ أن يتّقوا اللّهَ عزَّ وجلَّ في هذا الأمرِ. (فتاوى نور على الدّرب لابن عثيمين).

4- الغِشُّ فى الامتحاناتِ ظلمٌ كبيرٌ للجميع:

 -لا يَجوز أبدًا لطالبِ العِلمِ أن يُساعدَ زميلَه في الامتحانِ، فهو في الحقيقةِ ظلمٌ للطّالبِ المُعانِ وظلمٌ للطّالبِ المُعينِ، وجنايةٌ على الجهةِ المسؤولةِ الّتي هو تحت رعايتِها، وجريمةٌ في حقِّ الأمّةِ جمعاءَ، أمّا كونُه ظلمٌ للطّالبِ المُعانِ فلأنّنا أعنّاه على أمرٍ محرّمٍ عليه وهو الغِشُّ، وقد قال النّبيُّ صلّى اللّهُ عليه وعلى آلِه وسلّم (من غشّنا فليس منّا)، وأمّا كونُه ظلمٌ للمُعينِ فلأنّه ظلمَ نفسَه بالمعصيةِ حيث أعان على معصيةٍ، والمعينُ على معصيةٍ كالفاعلِ لها، ولهذا لعن النّبيُّ ﷺ آكلَ الرّبا وموكّلَه وشاهدَيه وكاتبَه وقال (هم سواءُ) فدلَّ ذلك على أنّ المُعينَ على المعصيةِ كمرتكبِها. (فتاوى نور على الدّرب).

-  يشعر الطّالبُ المجتهدُ والمتفوّقُ بالحسرةِ والألمِ، وقد يبكي أحيانًا من هذا الظّلمِ عندما يُشاهدُ الطّالبَ الكسولَ يَغشُّ أو يُساعَدُ على الغِشِّ ثمّ تزداد الحسرةُ عندما يتفوّقُ الطالبُ الغشّاشَ على الطّالبِ المجتهدِ وبذلك تُقتل فيه روحَ الجدِّ والاجتهاد.

-  ظلمٌ للوطنِ، وذلك بتخرّجِ غشّاشينَ فيُدمّرون المجتمعَ. 

5- الغَشّاشُ آكلٌ للحرامِ: 

(أ) من فتاوى دارِ الإفتاءِ المصريّة (10/139)

-  انتشارُ الغِشِّ في الامتحاناتِ وغيرِها رذيلةٌ من أحقرِ الرّذائلِ وأخطرِها على المجتمع، حيث يَسود فيه الباطلُ ويَنحسر الحقُّ، ولا يَعيش مجتمعٌ بانقلابِ المَوازينِ الّذي تُسندُ فيه الأمورُ إلى غيرِ أهلِها، وهو ضَياعٌ للأمانةِ، وأحدُ علاماتِ السّاعةِ كما صحَّ في الحديثِ الشّريف.

-  والّذى تولّى عملًا يحتاج إلى مُؤهّلٍ يَشهدُ بكفاءتِه، أمّا وقد نال الشّهادةَ بالغِشِّ فيُحرم عليه ما كسبَه من وراءِ ذلك، وكلُّ لحمٍ نبتَ من سُحتٍ فالنّارُ أولى به، وقد يَصدق عليه قولُ اللّهِ تعالى {لا تَحسِبنَّ الّذين يَفرحون بما أتوا ويُحبّون أن يَحمدوا بما لم يَفعلوا فلا تَحسبنّهم بمفازةٍ من العذابِ ولهم عذابٌ أليمٌ 188-آل عمران}.

-  وإذا كان قد أدّى عملًا فله أجرُ عملِه كجُهدٍ بذله أيُّ عاملٍ، وليس مرتبطًا بقيمةِ المُؤهّل، وهو ما يُعرف بأجرِ المِثلِ في الإجارة الفاسدة، وما وراءَ ذلك فهو حرامٌ.

(ب) إذا كانت هذه الشّهادةُ مبنيّةً على غِشٍّ 

فإنّه يُخشى أن يَكونَ ما يَأخذه من الرّواتبِ حرامٌ عليه، لأنّه يَأخذه وهو غيرُ مستحقٍّ له حيث أنّه لم يصل في الحقيقةِ إلى الدّرجةِ الّتي تُؤهّله لهذا المَنصبِ فيكونُ أخذُه للرّاتبِ من أكلِ المالِ بالباطلِ فليحذَر إخوتُنا وأبناؤُنا من الغِشِّ في الامتحانِ في أيِّ مادّةٍ كانت.

6- الغِشُّ تعلّقٌ بغيرِ اللّهِ تعالى: 

-   يُربى الطّالبُ الغَشّاشُ على التّعلّقِ بالخَلقِ ونِسيانِ الخَالقِ عزَّ وجلَّ، وذلك لأنّه يعتمد في نجاحِه على من يُغشّشه في الامتحاناتِ من الخَلقِ فيتعلّق بهم، ونَحن نُردّدُ فى كلِّ ركعةٍ من ركعاتِ الصّلاةِ في سورةِ الفاتحة قولَه تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. 

-   عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ. (سنن التِّرمذي 2516) .

ثانيًا: من أسبابِ الغِشِّ في الامتحان:

-  الأسبابُ الّتي ساعدت على انتشارِ هذه الظّاهرةِ كثيرةٌ جدًّا منها:

(1)  ضعفُ الإيمانِ باللّهِ وقلّةُ الحياءِ: 

- لا يُقدِمُ على جريمةِ الغِشِّ إلّا ضَعيفُ الإيمانِ باللّهِ وقليلُ الحياءِ، فإنّ القلوبَ إذا مُلِئت بالإيمانِ باللّهِ لا يُمكن أن تُقدِمَ على الغِشِّ وهي تعلمُ أنّ الغِشَّ يُغضبُ اللّهَ.

-  عن عبدِ اللّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " (صحيح البخاري 6120)

 -  قال الخطّابي الحكمةُ في التّعبيرِ بلفظِ الأمرِ دونَ الخبرِ في الحديثِ أنّ الّذي يَكفّ الإنسانَ عن مُواقعةِ الشّرِّ هو الحياءُ فإذا تركه صار كالمأمورِ طبعًا بارتكابِ الشّرِّ. (فتح الباري 10/523)

(2) قلّةُ التّربية: 

قلّةُ التّربيةِ منذ الصّغرِ فى المنزلِ والمدرسةِ بحيث لا ينصحه الوالدان بعدمِ الغِشِّ  ولا ينهاه المدرّسون، بل ربّما شجّعه بعضُهم على الغِشِّ.

- عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ قال: قال رَسُولِ اللّهِ ﷺ "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". (رواه مسلم 142)

-  قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ بَيِّنٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ غِشِّ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ قَلَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ أَمْرِهمْ وَاسْتَرْعَاهُ عَلَيْهِمْ وَنَصَّبَهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ فِي دِينهمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ، فَإِذَا خَانَ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْصَح فِيمَا قُلِّدَهُ إِمَّا بِتَضْيِيعِهِ تَعْرِيفِهمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ دِينهمْ أو أَخْذِهمْ بِهِ.  (شرح النّووي 1/264) 

(3)  خداعُ الشّيطانِ للغَشّاشين:

- فالشّيطانُ يخدع كثيرًا من الطّلّابِ بأنّ الأسئلةَ سوف تَكونُ صعبةً ولا سبيلَ إلى حلِّها، والنّجاحُ في الامتحاناتِ لا يكونُ إلّا بإعدادِ وتجهيزِ وسائلِ الغِشِّ، فيَقضِّي الطّلابُ الأوقاتَ الطّويلةَ في تجهيزِ وسائلِ الغِشِّ بدلًا من المذاكرة.

قال تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24-النّمل). أي حسَّن لهم إبليسُ (أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السّبيلِ) أي منعهم بسببِ هذا الضّلالِ عن طريقِ الحقِّ و الصّوابِ (فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ) أي لا يفهمون بسببِ إغواءِ الشّيطانِ فلا يهتدون إلى اللّهِ. (صفوة التّفاسير 2/374)

(4)  الكسلُ وضعفُ الشّخصيّةِ:

- تُشاهدُ الطّالبَ الكسولَ يرى زملاءَه من بدايةِ العامِ الدّراسي وهم يَجدّون في المذاكرةِ بينما الكسولُ لا همَّ له إلّا اللّعبُ وتضييعُ الأوقاتِ بغيرِ فائدةٍ، فإذا جاءتِ الامتحاناتُ تراه يَطلبُ المساعدةَ بالغِشِّ لكي ينجحَ، إنّ الغِشَّ هو حيلةُ الكَسالى، وطريقُ الفاشلينِ... وجاء فى الحِكم (من دام كسلُه خاب أملُه وتحقّق فشلُه)، الغشُّ دليلٌ على ضعفِ الشّخصيّةِ حيث أنّ الّذى يَغشّ هو طالبٌ عاجزٌ لا يَجد الثّقةَ في نفسِه على تجاوزِ الامتحاناتِ وبالتّالي يلجأ إلى الغشِّ.

 (5) المجاملاتُ الكاذبة: 

-  هذا الطّالبُ يُجاملُ زميلَه فيُغشّشه، وهذا مُعلّمٌ أو مُشرفٌ أو مُراقبٌ على لجنةِ الامتحاناتِ يُجامل معلّمي المدرسةَ أو أولياءَ الأمورِ فيُغشّش المُمتحَنين أو يُسهّل عليهم عمليّةَ الغِشِّ.

-أنصح إخواني المُلاحظين الّذين يُراقبون الطّلبة أن يَتّقوا اللّهَ عزَّ وجلَّ وأن لا تأخذَهم في اللّهِ لَومةَ لائمٍ، وأن لا يُحابُّوا غنيًّا لغناه، ولا فقيرًا لفقرِه، ولا ضعيفًا لضَعفِه، ولا قويًّا لقوّتِه، بل عليهم أن يلاحظوا أتمَّ ملاحظةٍ وأن يتصدّوا لكلِّ طرائقِ الغَشِّ وأن يَكرّسوا جهودَهم سَمعًا وبصرًا وفكرًا لإحباطِ كلَّ مُخطّطٍ للغشِّ، وعليهم أن يتجنّدوا، وأن لا يتشاغل بعضُهم بالحديثِ إلى بعضٍ في حالِ المراقبةِ والملاحظةِ، لأنّهم مسؤولون عن ذلك أمامَ اللّهِ عزَّ وجلَّ، ثمّ أمامَ الدّولةِ، ثمّ أمامَ الأمّةِ، فلا يستهينوا بالخُطّةِ المَنوطةِ بعُهدتِهم، ولا بالمسؤوليّةِ المُلقاةِ على عاتِقِهم، وأن لا يفرّطوا في هذه الأمانةِ الّتي حمَلوها. (فتاوى نور على الدّرب لابن عثيمين ص21)

-  عنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ»  (صحيح ابن حبّان في الصّحيحة 2311 ص 276)

(6)  سوءُ الصّحبة:

- الطّالبُ الغشّاشُ يُصاحب المُهمَلين والكُسالى وسيّئي الخلُق، والدّليلُ على ذلك عدمُ الجدِّ والاجتهادِ في المذاكرةِ، والاعتمادُ على الغِشِّ لينجحَ، وهذه رسالةُ تحذيرٍ إلى أولياءِ الأمورِ: عليكم بحُسنِ اختيارِ أصدقاءِ أبنائِكم، وتوصيتِهم بذلك حرصًا على مستقبِلهم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (سنن التّرمذي 2378) وحسّنه الألباني.

- لماذا نُحسن اختيارَ الأصحابِ، لأنّ الصّاحبَ سَاحبٌ، وعن المرءِ لا تسأل، وسَل عن قرينِه، فكلُّ قرينٍ بالمقارنِ يَقتدي.

-تركُ معاقبةِ الغاشِّ: ممّا يساعدُ على انتشارِ الغِشِّ وتفاقمِه، عدمُ المُعاقبةِ الفوريّةِ لأنّ من أمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب.

(7) عدمُ استشعارِ المسؤوليّةِ الكبيرةِ: 

- كلٌّ منّا مسؤولٌ في مكانِه، والكلُّ سيُحاسبُ عن هذه المسؤوليّةِ وتلك الأمانةِ الثّقيلةِ يومَ القيامةِ. فلا تُقصِّر في حقِّ رعيّتِك.

-  عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. (صحيح البخاري 2751). 

(8)- انتشارُ المفاهيمِ الخاطئةِ: 

-انتشرت في أوساطِ الغَشّاشين كلماتٌ شيطانيّةٌ خبيثةٌ مغلوطةٌ تتعارض مع شريعةِ اللّهِ تعالى مثلَ: أنّ هذه الموادَّ غيرُ دينيّةٍ فيَجوز فيها الغِشُّ، أو هذا تعاونٌ وتفريجُ كُربِ النّاسِ، أو الضّروراتُ تُبيح المحظورات، وأكلٌ +نومٌ = دبلوم، وكُلْ وارتاحْ يأتيك النّجاح، الكلُّ يَغشّ، ولذلك يُسوِّل لهم الشّيطانُ كبيرةَ الغِشِّ.. بلا شكٍّ أنّ هذه مفاهيمٌ الفشلةِ وهي تُعارض صحيحَ الدّينِ الّذي يدعو إلى العملِ.

الغشّاشُ يقول اللّهمَّ أبعِدْ عُيونَ المُراقبِ عنّي، وقرِّب ورقةَ زميلي منّي.

و المُجتهِدُ يقولُ: اللّهمَّ اِشرَح لي صدري، ويسِّر لي أمري، وٱحلُل عُقدةً من لِساني يفقهوا قولي... و نحن نقولُ اللّهمَّ أعنّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك.

أحدث أقدم