الموضوع عدد 1
الموضوع:
ذهبت صحبة عائلتك في رحلة إلى إحدى جهات وطنك تونس فانبهرت بما يميز تلك الجهة من جمال طبيعي ومعماري زاده كرم السكان وحسن استقبالهم روعة وبهاء.
- اسرد أطوار تلك الرحلة واصفا ما اكتشفته مبرزا أثره في نفسك.
تحرير الأستاذة دليلة التيمومي :
إنها الخضراء يا وطني أكرم بها من أم رؤوم . يممت ذات عطلة جهة الجنوب رفقة عائلتي وكنا نبتغي أن نغنم الراحة ونزيل عن أنفسنا صدأ أتعاب علاها . وقع اختيارنا على هذه القبلة ونحن شغوفون لفرط ما سمعنا عن جمالها وسحر دلالها عروس الصحراء ورائحة المدن توزر . حزمنا أمتعتنا ذات صباح خريفي وانطلقنا من مدينتنا الساحلية نسابق لوحات سبحان من أبدع خلقها فمتع نظرنا بها ووافاها حقها . خضرة عميمة تكسو الأرض وتلون السفوح والتلال حتى لتخال نفسك في جنوب أوروبا . عفوا تمهل أنت في بلدي تونس الخضراء أم الشمائل . لقد تراجعت الخضرة ولم تصمد غير أشجار الزيتون المباركة مصطفة كأنها الصبايا في سباق . ثم ما لبث . هذا المشهد حتى تقهقر لتفرض فرض الصحراء سطوتها ولا تبقى إلا هضاب الرمال تنشق لك فجأة عن واحة من النخيل كأنها سراب متوهج . الفرحة عارمة والأسئلة حامية لقد أوشكنا على الوصول أما عن أبي فلا تسأل فقد أخضعناه لأسئلة ما .
كانت تخطر بباله لكنه كعادته يوجد لكل حيرة مخرجا وأخيرا نحن في مدينة المليون نخلة في قلب صحراء ساحر جمالها ونقي هواؤها زادتها الكثبان الرملية الممتدة امتداد البصر جمالا . وعلى الفور اتجهنا إلى النزل الذي حجزنا فيه للإقامة وما أروع أن تستقبل بحفاوة أهل الصحراء أناس لم نألفهم قط ألفونا ورحبوا بنا وكأننا عشنا معهم الدهر . اتجه أبي وأمي إلى غرفتهما واتجهت وأخي الأصغر إلى غرفة مجاورة لهما فنلنا بعض الراحة وإذا بأبي يدعونا إلى جولة في الواحة سبحانك ربي ما أكرمك واحات غناء خلابة تفتح ذراعيها دخلنا نستنشق نفحاتها الطيب وروائح الفردوس المنبعثة من أرجائها استقبلنا النخيل الباسق الشاهق بقاماته الهيفاء وعراجينه المتدلية بحياتها المتراصة كأنها أصابع تشهد أن لا اله إلا الله شجرة مباركة علت أشجار الرمان والعنب والتين في تباه وز هو لكنها تكاتفت معها لتهب الإنسان ظلاً يقيه لفح شمس وهاجة أما ينابيع الماء العذبة فقد نما من حولها عشب أخضر يافع ندي كون بساطا تحلو للعين رؤيته . قضينا تلك الأمسية ونحن نتجول في غمار الواحات وكلما تهنا دلنا مالكوها عن طريق العودة لقد غاب عقلي أمام هدوء المكان وامتداده إلى حيث يحد البصر ففيه ألغاز لا يعرفها سوى عشاقها حقا لوحة فنية ومصدر سحر والهام من إبداع الخالق وجهد المخلوق الذي كرس جهده لخدمتها : انقضى اليوم الأول فعدنا إلى النزل تعشينا في نهم ونمنا في هدوء حتى حل صباح اليوم الثاني وكانت مفاجأة أبي في انتظارنا لقد دعانا إلى جولة في أعماق الصحراء على على ظهور النوق ولم يكن الأمر في البداية سهلا فقد أحسست أن قلبي يضطرب بين جنبي وروحي تكاد تنتزع مني لكني تمالكت وعزمت على خوض التجربة وبمساعدة صاحبها اعتليناها ترغو الناقة وتحن ثم تسدد ساقيها في الرمال وتستوي رصينة متباطئة بمحاذاة ذلك الشيخ صاحبها رباه أماه أخيرا ركبت سفينة الصحراء أشرفنا على ظاهر الواحات فبدت كباقات يانعة برؤوس نخيلها الباسق الذاكن الخضرة تكتنف البلدة من جهات ثلاث تاركة بوابة باتجاه الصحراء . كثبان الرمال صاعدة نازلة إلى ما لا نهاية في صحراء ممتدة توحي بالغموض والرهبة لكنها في غاية الجمال شمس جنوبية لم تفقدها وهجها رغم غيوم نوفمبر . انتهت نزهتنا هذه وبانتهائها شعرت أن رحلتنا في جنة الواحات قد انتهت . ولم يبق من برنامجنا غير زيارة مدينة توزر لقد استيقظت البلدة ودبت فيها الحياة نشيطة مدينة صحراوية بطراز معماري صحراوي عريق أحواش عريضة عتيقة واجهاتها محلاة بالطوب الأحمر ذات طراز بربري وأسواق فسيحة ومعروضات تقليدية قدت من سعف النخيل سلال وحصائر ومكانس ومراوح يدوية فاقتنت أمي ما اختارت تحفا تذكارية وهدايا لأصدقائنا . ومارست هوايتي التصوير الفوتوغرافي بلا حدود والتقطت عدستي كل ما تقع عليه عيناي صحار وجبال ونخل ورمان وعين تنبع من تحت الكثبان الرملية ومن الصخور الحجرية أهل جدد عقدنا معهم صداقة وقد حاولوا إطعامنا مما يعرضون هنا لا حديث غير حديث التمر مدلاة على واجهات الدكاكين ومعلبة في صناديق أنيقة تمور في صفرة التبر وبريقه أقبل الزوار تونسيون وأجانب على تذوقها والاشتراء منها وهم في استكشاف لروعة المكان والتعرف إلى الخصائص الثقافية للبلدة وسكانها .
وبينما نحن على تلك الحال من الاستكشاف والمتعة إذ بأبي يعلن عن نهاية رحلتنا في توزر ويعدنا بالعودة إليها مرة أخرى . صديقي صديقتي زر توزر إن كنت تريد .رؤية جنة تجري بها الأنهار من تحتك.
الموضوع عدد 2
الموضوع:
التحرير :
الموضوع عدد 3 :
الموضوع:
زرت أحد المواقع الأثرية للبلاد التونسية، فاستحضرت ماضيه وأمجاده. انقل ما شاهدت وما رُوي لك وما سمعت.
التحرير:
أن تنتمي إلى الأرض وإلى وطن هو أن تحمل بصمته في كيانك ووجدانك وفي كل جارحة فيك ، بتاريخه وماضيه، لأنك بعض تربته ومائه وهوائه.
ذلك ما اعتمل في خلدي يوم وقفتُ صُحبة بعض الأصدقاء على روابي قرطاج المطلة على الميناء البوني.
كنت وقتها في السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية ، وكانت مدرستنا تقع في منطقة ريفية | من مناطق الشمال الغربي، وقرّر مدير المدرسة بالتعاون مع السلط المحلية تنظيم رحلة إلى نطلقت الحافلة في السابعة مساء ذات أحد، وما أن وصلنا حتى تسلقنا هضبة تطل منها | على ميناء قديم . وبينما كان المعلم يشرح ويفسر انزويت عن الضوضاء ثم سرحت النظر في أرجاء البحر الممتد الأزرق وقد تلألأ على سطحه شمس الصباح دافئة أنعشت منا الأجساد آثار قرطاج بتونس العاصمة .
أغمضت عيني أمام هذا المنظر الرائع وانطلقت في فسحة طويلة عبر التاريخ فتراءت لي | هناك في الأفق البعيد رايات سفن شراعية تعاظم حجمها كلما تقدَّمت تزحف نحو الشاطئ ، وسرعان ما ضاق بها البحر على اتساعه ، وأطل من بين أشرعتها العملاقة رجال أشداء أثقلتهم الدروع الفضفاضة والسيوف والرّماحُ اللماعة ، وعليهم أزياء قتالية غريبة تقودهم امرأة حسناء جميلة ، وسريعا ما مزق الصخب والجلبة صمت الشاطئ ، فاستحال سكونه حركةوالأرواح بعد نسيم الصباح البارد.
وخلاؤه اكتضاضا ، وتحلّق الرّجالُ وأوقدت النيران ودقت ا أوتاد وارتفعت الخيام . توجهت الحسناء نحو وفد من الرجال قدموا نحوها يتقدمهم رجل جليل بدت عليه علامات السلطة، فطمأنته بأنها لم تأت غازية بل مشترية واقترحت عليه اقتراحا غريبا هو أن تشتري منه قطعة من الأرض لا يتجاوز حجمها جلد ثور وبثمن مغر، فما كان من الملك إلا الموافق، فنقدتهم مالا وحولت الحسناء الجلد شريطا رقيقا وطفقت تخط حسب امتداده حدود مدينتها الجديدة - أمام دهشة الجميع - مدينة قرطاج. أفقت من غفوتي على نداء احد الرفاق وقد أشار أن ننحدر إلى السفح كنا نسير بين أطلال متداعية تطل ببعض ما بفي منها من أعمدة وتيجان وأحجار. كل شيء في طريقنا يفوح بعبق التاريخ إلى أن بلغنا المسرح الروماني بناء شاهق وأحجاررصفت أحسن ترصيف وتعالت على بعضها بعضا، في شكل نصف دائري . انتصب في صدره ركح اتخذ اليوم لعرض المسرحيات وإقامة الحفلات ، لكن ما الذي كان يشغل هذه الساحة قديما يا ترى؟
ارتقيت إلى أعلى درج المسرح الأثري وأصخت بسمعي أتحسس أصوات الماضي البعيد واستحضر بذهني بعض ما رسخ فيه من مطالعات قديمة أسترجعها. هناك في الأسفل كانت الساحة تعج بالمصارعين يستعرضون قدراتهم القتالية معتمدين القوة البدنية وما تدربوا عليه من فنون القتال ، فينتهي النزال بين منتصر سعيد يتلقى التهاني ومنهزم منكود الحظ لا يحظى حتى بالمواساة، ، وعلى المدارج تتراص حشود المشاهدين ترتفع جلبتهم وتصدح حلوقهم وتلوح بأيديهم إلى المنتصر أن يُجهز على خصمه ، ، لقد كان المكان بتاريخه وهندسته شاهدًاعلى حضارة ملأت الدنيا وشغلت الناس .
انحدرنا نحو الشاطئ بالجهة الشرقية ، هناك المرفأ البوني أو ما تبقى منه أطلاله بعد أن غمرتها المياه والرمال ، سرتُ أتتبع ملامح الموقع فوقعت على دليل سياحي التفت حوله ثلة من السياح وقد طفق يحدثهم عن هذا المعلم التاريخي استرقت السمع فإذا هو يقول: " لقد شهد المرفأ البوني عملية تخريب ممنهج فلم يبق منه إلا بعض الأسس ، ولم تغادره جُيُوسُ روما حتى حولته أثرا بعد عين، لا أمل في بعثه من جديد ، وقد أعملت في أهله السيوف وأشعلت في مخازنه وسفنه النيران ، ثم طال الخراب مدينة قرطاج ذاتها ، وبينما كان الدليل يقص على سياحه خبر الغزو الروماني كانت مشاهد الهجمة تعبر مخيلتي فأرى الخيول الزاحفة تنتشر في فضاء المرفأ والجثث منتشرة في كل مكان ورائحة الموت متفشية في كل النواحي ، وأسمع صليل السيوف وقرقعة الرماح وصهيل الخيل وجلبة الجيوش ، وأشاهد أعمدة الباءات والمعابد تتهاوى فتصيب بعض الهاربين من جحيم القتال وتتناهي إلى مسمعي هتافات المدافعين يتنادون للذود عن حرمة مدينتهم ، فاعتقلت في نفسي مشاعر متباينة بين إنكار وحنين وشفقة.
ثم أفقت من هذا المشهد على نداء أحد الرفاق أن نتجة شمالا نحو حمامت انطونيوس ، وهو موقع روماني من مدينة قرطاج ، فبالرغم من أصلها الفينيقي فإن أغلب آثار قرطاج رومانية ، وما حمامات أنطونيوس إلا شاهد على ذلك ، وقد توسط مجمعا سكنيا من عدة منشآت وجاور مكتبة يلتقي فيها أهل الفكر وأصحاب السلطان للاستحمام والاسترخاء ، ولتدارس القضايا الحيوية اليومية أو الفكرية المجردة ، وفي الجهة المقابلة المعبد ، وهو فضاء زينب لوحات وتماثيل تجسد آلهة الرومان ، وقد تفنّن الرسامون والنحاتون في رسم مجمداتهم والبيع أنها ما زالت تحافظ على بعض نظارتها وبريق ألوانها ، وحولها في الجهة الغربية الدور السكنية الفسيحة تشهد على تطوّر الهندسة المعمارية وعلى ثراء أصحابها ، وقد فرشت أرضيتها بلوحات الفسيفساء ، أو عُلقَ بعضُها على الجدران.
غرقت في ثنايا المدينة أتتبع طرقها المرصوفة بالحجارة ، وقد حافظت على انتظامها رغم طول الزمن، وعجبت من حذق أهل الصنائع في تغذية أهل المدينة بمياه الشرب وتصريف المستعمل منها.
في هذه الجولة أثقل على التاريخ بكلكله ، فخرجت مسرعا لانذا بقرطاج الحديثة لأنتشي بحدائقها الغناء وبساتينها الفواحة ومبانيها العصرية التي تضج بالحياة .
كانت رحلة عجيبة فى المكان والزمان بين الماضي والحاضر بين الحلم والحقيقة ولجت فيهاإلى أعماق التاريخ أستجلي غوامض الماضي وخفاياه.
تركت المكان وأنا أجر قدمي وكأنهما تسمرتا ، ترفضان مرافقتي، تريدان المزيد من الانتشاء بعبق هذا التاريخ العطر الصادر من الآثار، وسمعتها تهمس في أذني " إن بلدا يعود تاريخه إلى ثلاثة آلاف سنة لا يمكن أن يكون مستقبله إلا زاهرا